الأربعاء، 30 يوليو 2014

قراءة فى قصيدة على أسوار دمشق ... بقلم الكاتب الناقد ناصر عاشور

شكرا للأستاذ القاص والروائى والناقد Nasser Ashour
................

قراءة فى ( على أسوار دمشق )
للشاعر على السيد
ناصر عاشور
1-
عن الدور
يقولون أن الشاعر فاعلٌ لا منفعلٌ و بوصفك شاعر فقد أثرت كلماتك على كل من أخلص قراءة النص و لكل من قرأ النص و قال أنه نص جميل فقد انفعل بفعلك ، و هذا الذى قالوا عنه أن الشاعر رسول فى قومه . فالشاعر هو القوة الخلاقة المبدعة فى هذا الكون . فهذا (شللي) الذي جعل من الشعر "صورة الحياة ذاتها معبرة عنها في حقيقتها الخالدة" . أما الشابى فنراه يجعل من غاية الشعر غاية تصويرية وتعبيرية عن الحياة في مختلف ميادينها وفي كل صورة من صورها .... هكذا أنت صديقى .
2-
عن الموضوع
تسقم الأمم كما يسقم الناس ، و الشاعر هنا يبكى و يرثى أمة يُخشى أنه زال مجدها أو أنها تسعى بيده لتخريب ماضٍ تليد
ا أمـَّــةً فـى الخــلـق خانت مجـدها
المــجـد كــدَّاً لــيـس قــولاً يـــذكرُ
و الموضوع مطروق من قبل تعاورته الأقلام منذ غابر الزمن فمن قصيدة ( أبو البقاء الرندى ) التى مطلعها
لكل شيئ ,إذا ماتم نقصـــــــــــان ***فلا يغـــــــــر بطيب العيش إنســان
هي الأمر كما شاهدتــــــــــها دول***من ســــــره زمــن ساءته أزمان
و من الرندى قديماً حتى شوقى  فى الشعر الحديث فى  ( نكبة دمشق )
سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ ........... وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ

وَمَعذِرَةُ اليَراعَةِ وَالقَوافي ....................... جَلالُ الرُزءِ عَن وَصفٍ يَدِقُّ
 التى تصادف أنها رثاء لدمشق . و لكن الشاعر و هو مسبوق أيضاً يتحدث عن أمة عربية بأسرها و هو مسبوق أيضاً فى أدبنا المعاصر و منه قصيدة الرائع رأفت السنوسى ( ضحكت من نفسها العرب ) .
3 -
عن العاطفة
فالألم المصبوغة به القصيدة يشى بما يشعر به على السيد عبر أبياته من ألفاظ و صور يمكنك باليسير من الجهد أن تصل إليها . كمثال
الألفاظ : ناحت - الثكالى - حزناً و هو يائس أيضاً خطوب الموت تدنو و هو ساخط ثائر أخيراً :  أمـِّـى كـفـى جـهـلاً كفى صمتاً
فالمزيج من الحزن و اليأس و السخط ما دفعوه لهذه الأبيات .
4-
عن الشكل
اختار على السيد الشكل التقليدى للقصيدة العربية و كأنه يستدعى بذلك سنوات من تاريخ المجد العربى على مساره الطويل . أو يستدعى قصائد غابرة مماثلة فى هذا الشأن و كأنه يذكرنا بماضٍ تليد ما علينا أن ننساه و هو الذى ( رضع من ضاد العروبة القانى ) فأفرز ما كتب .
5 -
عن الموسيقى
للموسيقى دور فى بلورة التشكيل الجمالى للنص و الشاعر هنا لم يهمل الموسيقى بشقيها ( داخلية و خارجية )
التزام الشاعر البحر الشعرى و الذى أختار له الرجز هنا بضروبه و التزامه  التصريع فى مدخله للقصيدة يرسم محدودات الموسيقى الخارجية للقصيدة . و الرجز على قصر عبارات يعطى دفقات شعورية متسارعة فيهاالحماسة و تناسب حال السخط فى مجمل القصيدة . و هو وزن لقصيدة يسهل على مستمعها الحفظ حتى أنه استخدم للمنظومات العلمية و هذا ما حدا بالشاعر أن يقول واعياً ( هل تحفظى منى أهزوجة )  غير أيضاً أنه ألزم نفسه تكرار القافية فى صدر الأبيات الأولى .
اما الموسيقى الداخلية التى ترتكز على التكرار و الترديد و الموازنة .
كتكرار بعض الألفاظ بعينها ( أمى - و التساؤل بأى ........ )
تأمل تكرار حرف الضاد فى البيتين المتواليين ( ربما كان الضاد مقصوداً )
 ( أمـِّـى كـفـى جـهـلاً كفى صمتاً كفى
إنـِّـى جـريــحٌ مـن خــمــولٍ يجهرُ
قد ارضــعونى ضـادكِ القانى سنيـ
ـنـاً جـمَّــةً مـنـــهُ قــصــيـدٌ يـُنــذرُ )
و حرف الضاد على خصوصية رمزيته فهو حرف فيه جهر و استعلاء .
و هذا مثال .
6 -
عن الصورة
على مدار القصيدة تتواجد الصورة بشكل لا يمكن انكاره و لا يمكن أيضاً أن نقول أن الشاعر مستغرق فى التصوير . و سأذكر غير معلقٍ البعض مثل ( خطوب الموت تدنو - نجوم الرشد خابت - دمى .... ينثر - رواك النوم ) فالاستعارات موجودة فعلاص فى القصيدة بنعومة مكسبة التشخيص و التجسيم مما يعطى المعنى إيضاحاً و جمالاً . و لن نقوم بتحليل الصور فرادى فكل هذا واضح يمكن استكناهه .
7-
عن الأسلوب
يتنوع الأسلوب بين خبرى و إنشائى علىمدار القصيدة أيضاً
فمن الأساليب الخبرية التى عمد الشاعر إلى اسنخدامه
أمـِّـى، خـطوب الموت تدنو، تزأرُ
أمّى، نجـوم الــرشــد خــابـت تخبرُ

أيـَّـام عمرى ترتجى صمتُ الوغى
الصـوت من أجـلِ الردى لا يصـبرُ

جـئـتُ دمـشـقاً فـى يـدى كرّاستى
أسـوارهــا بالــحـزن نــاحـت تهدرُ
الصورة الوصفية جاءت فى مفتتح القصيدة هكذا خبرية و الشاعر غير عابئ بالمؤكدات إلا استخدامه ( قد  ) مع الماضى فى قوله ( قد صرت - قد  أرضعونى ) حيث أن المقام مقام تعبير عن حزن و هو لم يلجأ للمؤكدات كنوع من إشعارك أنه يقر حقيقة ما لا يمكن إنكارها حتى فلا تحتاج لمؤكد .
تسربل اتلأسلوب الإنشائى الاستفهامى فى باقى القصيدة فى التساؤل بـ ( أى ... ) و ( هل )  و هو يدل على الحيرة . و أسلوب النداء فى ختام القصيدة ( يا أمة ) ، ( يا أمتى ) متحسراً و النهى ( لا تنقمى  ) 
و من الالتماس الأمر فى ( أجيبينى )
8 -
عن البديع
القصيدة بها تضادات بين ( صمت - الصوت ) ، او من حسن التقسيم ( الموت للأطفال - الجبن للأوطان . ) و التصريع فى المفتتح أيضاً  .

9 -
عن التجربة
فى ضوء الطروع على السيد يحتل موضعاً ليس بالمنكور لدى متابع شعره فقد وجد موطئاً لقدمه  و إن كان مازال لديه الكثير لتقديمه كيلا يتخلى عن بعض السقطات االيسيرة التى هى من طبيعة فعل البشر . و أعتذر للإطالة .

"على أسوار دمشق"

31/1/2014
بقلم: على السيد

أمـِّـى، خـطوب الموت تدنو، تزأرُ
أمّى، نجـوم الــرشــد خــابـت تخبرُ

أيـَّـام عمرى ترتجى صمتُ الوغى
الصـوت من أجـلِ الردى لا يصـبرُ

جـئـتُ دمـشـقاً فـى يـدى كرّاستى
أسـوارهــا بالــحـزن نــاحـت تهدرُ

نيـرانـهم بالـسَّـهل جـابت كـرمتى
أمـِّـى أجيـبيـنى مــتــى قــد أنــصرُ

أيُّ خـريـفٍ ذاك يـطوى زهرتى ؟
أيُّ عـيـونٍ تـلكَ تــعـوى، تـغــدرُ ؟

شـهباءُ أرض السلمِ غابت شمسها
والـذئـب فــى الـعـليـاء يدمى، يقْبرُ

نـاحـت ثـكـالى ضيعتى حزناً على
طـفـلٍ بــوادى الـنــار أضحى يزأرُ

غــابَ ولــم يـــلـقِ ســلامـاً للدمى
غــابَ ولــم يســــقِ بــذوراً تُبــذرُ

أرخـى الـدجــى أسـتارهُ فى رحْله
ألـقـى الــعلا رمــحــاً لــهُ لا يُنـظرُ

جادت ســرابيل الـوغى فى جرحهِ
أمـَّـا هــو الــدانــى لـنــصــرٍ يعـبرُ

أمـِّـى أجيـبى، لا تــردِّى صيــحتى
أمّى ، دمى فى الرملِ أضحى يُنـثرُ

أيُّ سـمـاءِ للــوغــى قــالــت لـهم ؟
أيُّ إلـهٍ للـــــردى قـــد يـــأمــــرُ ؟

الـمــوت للأطـفـال أضـحى شـرعةً
الـجـبـنُ للاوطــان هــدمــاً يبـــكرُ

رســولـــنــــا قـــال لنا أن للــــعـلا
تــراحــمــوا وللــهـوى لا تـفـتروا

شـيـخاً وطـفـلاً ونـســاءاً ارحــمـوا
عـلـمـاً وزهـداً وجـمــالاً أنـشــروا

هــذا عـلـيٌّ قــد عــلــت أخــــلاقــهُ
ما كـان بالـسيــف قــتــالاً يمــــكرُ

بـل كــان فى الأصـحاب نوراً سالماً
مـن ظلــمةِ الـجـهـل الذى لا يعذرُ

لـيـس الـحـسـينُ قــاتلاً كــى تقــتلوا
ما كــان إلا فى الــســلام الـمُـــظـهـرُ

جــادت غـيـومُ الـحـبِّ مــن أقـوالهِ
وللــعــلا مـن راحـتــيهِ تمـــطرُ

أيُّ رســولٍ قـــال أن لا تــرحــمـوا
والــديــن فـيــنـا رحــمــةً لا تنكرُ

أمِّى سئمتُ الخوف من أيدى البلى
أمـِّـى هـبـى أمْـنَـكِ حــتــى أكــبرُ

أمـِّى رواك الــنــومُ قســطاً وافـــراً
والجهلُ فى الأحشاء أضحى يبحرُ

يا أمـَّــةً فـى الخــلـق خانت مجـدها
المــجـد كــدَّاً لــيـس قــولاً يـــذكرُ

هــل تحــفظي من قولتى أهــزوجةً
عــلَّ عيونا غفلت ، لى تبصرُ

قد صـرتِ فـى أسـواقهم معـروضةً
نـفـطـا وأرضــأ وأنـاسـاً يُـنـحروا

أمـِّـى كـفـى جـهـلاً كفى صمتاً كفى
إنـِّـى جـريــحٌ مـن خــمــولٍ يجهرُ

قد ارضــعونى ضـادكِ القانى سنيـ
ـنـاً جـمَّــةً مـنـــهُ قــصــيـدٌ يـُنــذرُ

يــا أمـَّــتـى إن كـنــتُ فيـهم رافضاً
لا تنــقمى حـتـى زمــانــى يُــؤثــرُ